
(1) لا حروب دون سلاح
الفيلم الأمريكي “سيد الحرب Lord of War“ إنتاج عام 2005 يحكي قصة صعود “يورى أورلوف” الأمريكي من أصول أوكرانية في عالم تجارة السلاح، بدأ مروّجًا للأسلحة الشخصية للمجرمين والعصابات وانتهى واحدًا من كبار تجار السلاح الذين يتعاملون مع الدول والأنظمة المستبدة خاصة في إفريقيا، حيث توجد الصراعات والمجازر يحضر “يوري” الداهية الواسع الحيلة.
في الفيلم يمثل “يوري” الشر، ويمثل عميل الإنتربول الذي يلاحقه الخير، حياة يورى الشخصية والعائلية تنهار بسبب تجارة الموت التي يزاولها، زوجته تهجره وتبتعد عنه مصطحبة ابنهما الوحيد، وتتبرأ منه أمه بعدما يتسبب في مقتل أخيه الوحيد أثناء صفقة سلاح. يتم القبض عليه في النهاية، من جانب عميل الإنتربول الشريف الملتزم بالقانون، لكن يتم ما توقعه “يوري” وهو الإفراج عنه وإطلاق سراحه بعد تدخل رتبة عسكرية كبيرة في الأمر، لماذا؟
لأنه كما فسّر الأمر دول كثيرة تحتاج لأمثاله وسيطًا لتصدير أسلحتها إلى الأنظمة التي تدينها في العلن وتستفيد من وجودها في الخفاء. تريد أمريكا وهي أكبر تاجر سلاح في العالم أن تبيع أسلحتها للجميع، وفي الوقت نفسه تظل نظيفة اليد، حتى تستحق مكان الريادة الذي يسمح لها أن ترعى السلام العالمي وتتحدث بثقة عن ضرورة تهدئة الصراعات بوصفها شرطي العالم حامي القانون ومنفّذه! لا توجد حروب دون سلاح، والسلاح في مخازن الدول الكبرى، تفتحها لمن يدفع الثمن في السر والعلانية، تتسابق فيما بينها لعقد الصفقات مع أنظمة حكم استبدادية مشبوهة تمنح بعضها الشرعية بهذه الصفقات العلنية وكأنها صكوك الغفران، كما تقدم السلاح للميليشيات والجماعات الإرهابية عن طريق الوسطاء من أمثال “يوري”.
(2) السودان ضحية النفاق الدولي
الأطراف الإقليمية والدولية جميعها المنخرطة في الوساطة في السودان، تعرف تمامًا الأطراف الداعمة لفريقي الصراع هناك: الجيش وميلشيات الدعم السريع. الصراعات في إفريقيا المنكوبة بالاقتتال الأهلي مرهونة بالأطراف التي تؤجج الصراع، لأن لديها مصالح تريد أن تحققها عن طريق أحد الطرفين، وفي سبيل ذلك تمده بالمال والسلاح، في حال توقف هذه الأطراف ذات المصلحة عن التدخل تخمد النيران من تلقاء نفسها أو على أكثر تقدير تتوقف بقليل من الضغط من دول الجوار أو بتدخل دولي فعال، لكن للأسف الوساطات لا تبدأ بالعقدة الحقيقية، لكن تظل تدور في دوائر لا نهائية مع الأطراف المتحاربة دون مكاشفة لحقيقة الأمر، وهو أن هذه الأطراف ليست سوى مخالب القط.
وهذا وهو الحال نفسه بالنسبة إلى القضية الفلسطينية التي أصبحت توصف بأنها قضية مستعصية على الحل، ولا أمل في إيجاد حل دائم يقبله الطرفان: الفلسطيني والإسرائيلي، بل يزداد الصراع عنفًا. الكاتب الأمريكي “ستيفن كينزر” في كتابه “العودة إلى الصفر” ينكر ذلك، فهو يرى أنه لو مارست الولايات المتحدة قدرتها الكاملة على الضغط بالنسبة للطرفين لاستطاعت أن تفعل ما يبدو مستحيلًا، وستتم الموافقة على الحل الأمريكي من الطرفين سواء طوعًا أو كرهًا وتحل القضية. لكن السلام والاستقرار قد لا يكونان الحل المناسب لأطراف النزاع، لأن الأطراف الفاعلة تتربح من الصراع أكثر من التربح بالسلام. الحرب فيما يبدو هي الأساس بالنسبة للإنسانية أما السلام فهو هدنة مؤقتة لمعاودة الصراع، فلا أحد يرضى بما لديه، الكل طامع في المزيد، وحين يملك القوة على نهب ما لدى الآخر لا يتردد لحظة في استخدام هذه القوة.
(3) اليوتوبيا محض خيال
هل يمكن بالفعل تخيل عالم بلا حروب أو صراعات؟ عالم يسوده السلام والاستقرار وتتكافل فيه الدول، فتمد الدول الكبرى يد العون للدول الفقيرة، لتخرج من عثراتها دون تفكير في استغلال خيرات تلك الدول ونهبها، هذا الطرح خيالي، فلا مكان لليوتوبيا على كوكبنا، ولقد وصف الله تعالى الجنة بقوله: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}، لا يسمع في الجنة كلمة باطل أو لغو، وهذه الكلمات هي التي تؤدي في النهاية إلى الصراعات والحروب، حالة “اللاصراع” حكر على جنة الخلد. الحياة الدنيا صراع دائم بين الخير والشر، وبقاؤها مرهون بهذا الصراع، ولا يمكن أن تستمر دونه، فبعد الدمار يأتي إعادة الإعمار ليمثل هو الآخر صفقة مربحة للبعض.
حين تصل الصراعات والحروب إلى مداها الأقصى، ويصبح الاستمرار فيها خسارته أكبر من نفعه، وينهك أطراف الصراع دون انتصار حاسم لجانب على الآخر، تتدخل الأطراف الراعية للصراع لإيجاد حل والجلوس على مائدة المفاوضات مبشرين بالسلام، وتقام المؤتمرات لإعادة إعمار الدولة التي دمرت بسبب الحرب، وعادة ما تكون الحصة الكبرى من إعادة الإعمار من نصيب الدول التي تسببت في الدمار!! أسياد الحرب يربحون من الحرب والسلام!!!.
