الفضاء البيطري الجزائري يقدم تفاصيل إضافية حول تأثير التجارب النووية الفرنسية على الانسان و البيئة عموما و على الحيوان بصحة خاصة في منطقة رقان

تشهد التفجيرات النووية التي أجريت في 13 فبراير 1960 في رقان (ولاية أدرار) دائمًا على فظاعة ووحشية الاستعمار الفرنسي البغيض وما خلفه من جرائم ضد الشعب الجزائري، وفقًا لما يراه سكان هذه المنطقة في جنوب الجزائر.

رغب “الفضاء البيطري الجزائري”، و الذي يعمل على التكوين المستمر و المساهمة في الرفع من مستوى الأطباء البيطريين و تطوير الانتاج الحيواني ، في تسليط الضوء على حجم هذه الكارثة الإنسانية والبيئية غير المسبوقة و تأثيرها على الحيوان . فقد استخدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية، خلال أول تفجير في منطقة حمودية برقان، مجموعة من الحيوانات كعينات لقياس تأثير الإشعاعات على الكائنات الحية.

من بين هذه الحيوانات: الجِمال، والماعز، والأرانب، والقطط، و600 فأر مخبري، وحشرات وطيور، وقد أظهرت النتائج أن هذه التجارب لم تترك سوى جثثًا هامدة. كما أدى ذلك إلى اختفاء عدد من الزواحف والطيور المهاجرة، وانخفاض نشاط تربية الماشية، وتدهور التنوع البيولوجي في المنطقة الصحراوية، فضلًا عن انخفاض متوسط عمر الإبل إلى أقل من 20 عامًا، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بهذه التجارب النووية (بلبالي، 2018، ص 87).

التأثيرات على الثدييات والبيئة

أظهرت الدراسات أن الثدييات التي تعيش في المنطقة الملوثة، وخصوصًا القوارض (الفئران…)، تعرضت لأشد التأثيرات، حيث سُجلت تغيرات في التركيبة الحيوانية وانخفاض في آليات الدفاع المناعي، إلى جانب ظهور تشوهات صبغية (كروموزومية) في الخلايا اللمفاوية.

عند مغادرتها الجزائر، قامت القوات الفرنسية بدفن معدات مختلفة على عجل، منها مطارق، وكابلات كهربائية، ومفاتيح ميكانيكية، إضافة إلى طائرات ودبابات وقطع من السفن، التي لا تزال مدفونة في الجنوب الجزائري تحت رمال الصحراء. وإذا كانت هذه المعدات تثير التساؤلات بعد أكثر من 60 عامًا، فإن خطورتها الإشعاعية تثير القلق بشكل أكبر على الانسان و البيئة و الحيوان .

إن التأثيرات البيئية والصحية على سكان المنطقة تبقى صعبة القياس، نظرًا لنقص الوثائق والدراسات المقارنة (قبل وبعد التجارب). وما يمكن الرجوع إليه حاليًا هو الشهادات التي جمعها السكان حول مشاكلهم الصحية.

بعد 13 يومًا من أول تفجير نووي (13 فبراير 1960)، وصلت السحب المشعة إلى السواحل الإسبانية، كما تم تسجيل جزيئات مشعة في الأمطار والهواء بجنوب غرب السويد (JM.Collin وآخرون، 2020، ص 17).

وفي 6 فبراير 2021، شهدت فرنسا ظاهرة جوية حملت رياحًا محملة بالرمال والجزيئات الدقيقة القادمة من الصحراء الكبرى. وفي 24 فبراير 2021، أعلنت “جمعية مراقبة النشاط الإشعاعي في الغرب” أن تحليل العينة كشف بوضوح عن وجود السيزيوم-137، وهو عنصر مشع سام بيئيًا وصحيًا.

آثار التجارب في مناطق أخرى

في منطقة الهقار، حيث أجرت فرنسا تجارب أخرى، تعرضت بعض المواقع لتلوث إشعاعي شديد، لا سيما بعد فشل اختبار “بيريل” في مايو 1962.
واليوم، تطالب السلطات الجزائرية بالكشف عن مواقع النفايات المشعة وتدعو فرنسا إلى المساهمة في تطهير المناطق الملوثة.

تبقى قضية التجارب النووية محورًا أساسيًا في ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، حيث يمكن أن تسهم إزالة السرية عن الوثائق العسكرية في فهم التأثيرات الكاملة لهذه التجارب على الإنسان والبيئة.

التأثيرات على الأنظمة البيئية والحياة البرية

يُعتقد أن أنظمة بيئية بأكملها قد تأثرت على مدى مئات الكيلومترات، حيث لا تزال المواد المشعة قابلة للقياس في مجموعة متنوعة من الكائنات الحية وتتراكم في السلسلة الغذائية. وقد لوحظت تأثيرات مماثلة في الدراسات التي أجريت على الخنازير البرية في ألمانيا والرنة في فنلندا والسويد، حيث لا تزال هذه الحيوانات غير صالحة للاستهلاك بسبب نشاطها الإشعاعي العالي. كما يشكل تعرض الحيوانات للإشعاع خطرًا كبيرًا على مربيها.

التأثيرات الصحية للإشعاع على الحيوانات

وفقًا للباحثين، فإن “الدراسات التجريبية تقدم أدلة لا جدال فيها على أن حتى الجرعات المنخفضة جدًا من الإشعاع يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الأفراد والتجمعات البيئية، بل وعلى الكائنات الحية عمومًا”.

الإشعاع يغير الخصائص الكيميائية للذرات المصابة وأي جزيء يحتوي على تلك الذرات، حيث تتسبب الأشعة المؤينة في تفكيك الجزيئات داخل البيئة الخلوية المعقدة، مما يؤدي إلى تلف الخلايا.

العوامل التي تحدد شدة التأثيرات الإشعاعية:

كمية الإشعاع (الجرعة)

سرعة تلقي الجرعة

مساحة الجسم المعرضة

حساسية الأنسجة للإشعاع

وجود طفرات جينية تؤثر على إصلاح الحمض النووي

عمر الحيوان وقت التعرض

الحالة الصحية العامة قبل التعرض

التأثيرات الصحية للإشعاع:

1. الإشعاع والسرطان:
يؤدي التعرض العالي للإشعاع عند الانسان و حتى الحيوان إلى تلف المادة الوراثية (DNA) للخلايا، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان. كما أظهرت الدراسات أن التعرض الشديد للإشعاع في المبيضين أو الخصيتين يؤدي إلى نسل مشوه (طفرات وراثية).

2. متلازمة التأثيرات الدموية:
يتسبب الإشعاع في تلف نخاع العظام والطحال والغدد اللمفاوية، مما يؤدي إلى فقدان الشهية، والخمول، والغثيان، والموت.

3. متلازمة الجهاز الهضمي:
تؤثر الإشعاعات على بطانة الجهاز الهضمي، مما يسبب اضطرابات حادة.

4. متلازمة الجهاز العصبي الوعائي:
تحدث هذه المتلازمة عندما تكون الجرعة الإشعاعية مرتفعة جدًا، مما يؤدي إلى آثار قاتلة.

5. انخفاض الإنتاج الحيواني.

6. ارتفاع معدل الوفيات وانقراض بعض الأنواع.

 

توقعات الإصابات الإشعاعية

يعتمد التأثير النهائي على الجرعة الإشعاعية، وسرعة التعرض، والأعضاء المصابة، والحالة الصحية العامة للحيوان. وعادةً، بدون رعاية طبية، تموت الحيوانات التي تعرضت لجرعات عالية من الإشعاع على الفور.

وقد أكد أطباء بيطريون عاملون في منطقة رقان كخواص موظفون حكوميون، مدى خطورة تعرض الحيوانات لهذه المستويات العالية من الإشعاع.

Share.

Leave A Reply