• كاتب مصري مقيم في ألمانيا

30/4/2023

ألف وثيقة كشفتها ملفات “فولكان” المتاحة الآن على موقع إلكتروني يحمل اسمها على الشبكة العنكبوتية، كلها تكشف عن مدى تطوير الروس لبرامج “السوفت وير” الخبيثة القادرة على تعطيل أنظمة التحكم وتشغيل الحركة في مطارات الغرب، ومن ثم محطات الطاقة والكهرباء والمواصلات والبنوك وشبكات الإنترنت، وكل شيء تقريبًا يعتمد على النظم الإلكترونية، أما المنظومة العسكرية فيمكن تعطيل الرادارات فيها، وقواعد الصواريخ، والطائرات القتالية بما يعني شللًا تامًا لحركة الغرب الإلكترونية، وإحداث خسائر فادحة.

حرب دون دماء

تحققت وسائل إعلامية دولية عديدة منها مجلة “دير شبيجل” الألمانية على سبيل المثال من تلك الوثائق كلها، بل درسوا وفندوا أكثر من 5299 صفحة من الوثائق تتعلق بمشروعات وخطط وتعليمات، ورسائل بريد إلكترونية باللغة الروسية من سنة 2016 إلى 2021، تختص بالهجوم “السيبراني” أو القرصنة الروسية المتوقعة ضد الغرب، ورصد للمهارات والتطورات كافة التي بلغها القراصنة الروس في حرب المستقبل المتوقعة.

وفقًا لوثائق فولكان وتقارير صحفية، فإن روسيا تعد من أقوى دول العالم استعدادًا للحروب “السيبرانية”، كما تتفوق على الكثير من الدول المتقدمة في هذه التقنية المدمرة، بفضل اهتمامها بتطوير هذا الفرع من العلم الذي بزغ منذ الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي.

شواهد الحرب السيبرانية بدأت في أوكرانيا

لكن ما الدلائل التي يمكن الاستناد إليها في أن روسيا قادرة على شن الهجمات السيبرانية؟

لا شك أن الروس استخدموا هذا السلاح في أوكرانيا، واستطاع القراصنة الروس أكثر من مرة تعطيل محطات توليد الطاقة الأوكرانية، ومحطات إمداد المياه، كما استهدفوا مقرات الحكومة، والبرلمان والبنوك، واستطاعوا حجب المعلومات عن الأوكرانيين وتضليلهم، فيما يتحدث خبراء غربيون عن أن أول حرب إلكترونية شاملة في العالم بدأت بالفعل في أوكرانيا!!

لم يقف الأمر عند أوكرانيا وحدها، بل تعرضت دول غربية عدة لهجمات سيبرانية شلت الحركة فيها، مثلًا في بريطانيا التي اتهمت مخابراتها الروس بشن هجمات أوقفت الحركة تمامًا في مطار هيثرو، واتهمت ألمانيا أيضًا روسيا بشن هجمات إلكترونية على مواقع إعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، كحملة تضليل موالية لموسكو.

إقالة رئيس وكالة الأمن “السيبراني” الألماني

انزعجت ألمانيا كثيرًا من التدخلات الإلكترونية الروسية المضللة، وفي 18 أكتوبر 2022 أعلنت وزارة الداخلية الألمانية عن إقالة رئيس وكالة الأمن السيبراني “أرني شونبوك” من منصبه بعد تقارير تحدثت عن صلاته بروسيا، وكان “آرني شونبوك” في وضع حرج منذ أن ذكرت العديد من الصحف أنه مقرب من جمعية استشارية للأمن السيبراني يشتبه بأنها كانت على اتصال مع أجهزة الاستخبارات الروسية.

وبينما يرى محللون عسكريون أن الحرب السيبرانية هي أحد أخطر أنواع الحروب الإلكترونية التي يمر بها العالم الحديث، بل أكثرها دمارًا، فإن أحدًا لا يستطيع تسمية الجهات التي تقف وراءها وتبقى مجهولة، ولا يمكن رصدها، كذلك لا يمكن للدولة المستهدفة أن تعرف قبل تعرضها للهجوم، وهذا هو أحد الوجوه الأكثر تعقيدًا للتطور التكنولوجي المخيف في الوقت الراهن.

مخاوف متبادلة

الحقيقة أن الغرب وروسيا يحسبان حساباتهما بكل دقة قبل التورط في تلك الحرب، بالضبط كالحرب النووية، لأن الدمار في كلتا الحالتين سيكون شاملًا، على عكس الحرب التقليدية التي تنحصر في مناطق الحرب نفسها.

الغرب يخشى التصعيد الإلكتروني مع روسيا في هذا الملف نظرًا لأن الدول الغربية تعتمد بشكل كبير في معاملاتها البنكية والتجارية على النظم الإلكترونية التي يمكن أن تسبب قلاقل اجتماعية غير مسبوقة في حالة توقفها.

الحرب الإلكترونية غير أخلاقية

في سنة 2009 ظهر كتاب لطيار وخبير عسكري أمريكي سابق اسمه “بيتر سينجر” تحدث فيه بإسهاب عن الصناعات الإلكترونية الحديثة التي تشكلها التقنيات الإلكترونية كالروبوتات، والطائرات دون طيار والإنترنت وغيرها وأكد أنه ستكون هي أسلحة حروب المستقبل! ووضع رؤيته في الكتاب بشكل مهني ومحترف، مما جعل للكتاب أهمية عند القراء، ذلك أنه يرى أن فلسفة الحروب الإلكترونية الحديثة ستعتمد على القتل عن بعد، باستخدام تلك التقنيات الحديثة وهو أمر غير أخلاقي، لأنها ستختلف عن الحروب النظامية المعروفة التي يمكن الإشارة إلى المشاركين فيها والمخططين لها ويمكن توجيه الاتهامات لهم.

أحد أهم أجزاء الكتاب هو ما طرحه سينجر عن مدى مشروعية الأسئلة التي تتعلق بالأخلاق والحرب، ومن الذي يحق له شراء الأسلحة الإلكترونية الحديثة التي تقتل بكفاءة عالية عن بعد؟ ومن يسمح لهم أيضًا باستخدام الكاميرا لتوثيق الحرب؟ وهل باستطاعة كل فرد فعل ذلك؟

صعوبة توجيه الاتهام

في الحرب الإلكترونية ثمة أخطاء قد تسببها المسيّرات أو الروبوتات، وهنا يكون السؤال من الذي يمكن أن يتحمل المسؤولية آنذاك؟! خاصة وأن برمجة هذه الآليات قد لا تخلو من نسبة خطأ!! هل هو من قام بتشغيلها؟ أم الذي أعطاها الأوامر؟ أم الشركة المصنعة؟

الحقيقة أن حروب المستقبل القادمة لن يتمكن أحد من توجيه الاتهام لأحد آخر بسبب عدم القدرة على إثبات ذلك الأمر!

Share.

Comments are closed.