
تصادر الحكومة الروسية جوازات سفر مسؤولين بارزين سابقين، وموظفين كبار في قطاعات حساسة، خوفا من انشقاقهم، وذلك حسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
التقرير الذي أعده ماكس سيدون مدير مكتب الصحيفة في موسكو حتى عام 2021، يشير إلى أن هذه الإجراءات تتفق مع ما كان يحدث سابقا في حقبة الاتحاد السوفيتي السابق قبل انهياره.
وأضاف سيدون أن أفراد الأمن بدؤوا بالاحتفاظ بجوازات السفر الخاصة بهؤلاء المسؤولين لدى سفرهم في الرحلات الداخلية، مما يعكس نوعا من “جنون الاضطهاد” لدى النظام الروسي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، حسب قوله، بينما لا تزال الحرب في أوكرانيا متأججة.
ونقل سيدون عن أشخاص مطلعين على هذه الإجراءات أن أفراد الأمن في المطارات الروسية يصادرون جوازات سفر شخصيات معارضة بارزة، في ظل قيود جديدة على إجراءات السفر حتى داخل البلاد.
وقال التقرير “هذه الإجراءات تعكس تزايد الشكوك من جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي (إف إس بي) الذي تولى المهمة خلفا لجهاز الاستخبارات السوفيتي السابق (كي جي بي) في مدى ولاء الصفوة للكرملين، إذ ينتقد الكثيرون منهم الحرب في أوكرانيا في جلساتهم الخاصة، ويتخوفون من تأثيراتها الاقتصادية على نمط معيشتهم”.
ونوّه سيدون إلى تصريحات المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، التي اعترف فيها بأن بلاده شدّدت قبضتها على إجراءات السفر إلى الخارج للمسؤولين الذين يعملون في قطاعات حساسة، مضيفا أن هذا النمط من الإجراءات كان معروفا في الاتحاد السوفيتي السابق، إذ كانت هناك خزانة تحت الحراسة في كل وزارة، يتم إيداع جوازات سفر الموظفين فيها بمجرد وصولهم، حتى يتسلموها لدى سفرهم في المرة التالية.
ويشرح التقرير أن هناك اختلافات كبيرة بين الإجراءات المتبعة مع الأشخاص، حسب التقارير الأمنية التي يتم كتابتها عنهم، أو أمور أخرى. فقد طُلب من موظفين لا يتاح لهم الاطلاع على أمور سرية تسليم جوازات سفرهم، بينما مُنح مسؤولون بارزون ضوءا أخضر للسفر إلى الخارج حسب الدواعي. وفي الوقت نفسه، لا يُسمح لآخرين بالسفر حتى بالسيارة مدة ساعتين بعيدا عن العاصمة موسكو، دون الحصول على تصريح أمني.
وحسب سيدون، تقول المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي ألكسندرا بروكوبنكو، التي استقالت العام الماضي بعد بداية الحرب في أوكرانيا “يقومون الآن بالتوجه إلى أشخاص معينين، ويقولون: من فضلك سلّم جواز سفرك، لأنك تحظى بإمكانية الاطلاع على الأسرار الحساسة للوطن، لذا نريد أن نتحكم في تحركاتك”.
لكن بيسكوف قال إن الإجراءات تعتمد على عاملين، أحدهما طبيعة عمل الشخص، والآخر مجال عمل الشركة التي يعمل بها، وبذلك تتدرج شدة الإجراءات، مضيفا “من الممكن أن تكون وظيفتك أكثر حساسية أو أقل من وظائف أخرى”.
ويضيف تقرير فايننشال تايمز أن الكرملين وسّع الحظر غير المعلن على سفر المزيد من المسؤولين في أعقاب الفضائح المتتالية، بعد تسريب صور لأعضاء البرلمان الروسي وهم يقضون عطلات في دبي والمكسيك، لذا قررت الغرفة الدنيا في البرلمان، في يناير/كانون الثاني الماضي، إجبار الأعضاء على إخطار رئيس المجلس قبل سفرهم إلى الخارج.
ويشير التقرير إلى أن يفجيني بريغوزين -مؤسس وقائد مجموعة فاغنر للمرتزقة- طالب قبل شهرين بمنع سفر المسؤولين إلى الخارج تماما، إضافة إلى تنظيم سفر أقربائهم.

وحسب التقرير، قال بعض الأثرياء لفايننشال تايمز، إن هذه الإجراءات ضايقت الطبقة الأوليغاركية فاحشة الثراء، التي كان أبناؤها في السابق قادرين على إنفاق الثروات على شراء القصور الفارهة في الغرب، واليخوت باهظة الثمن، وإلحاق أولادهم بالمدارس العالمية في الخارج، لكنهم الآن يتململون من انقطاع المعاملات مع الدول التي أصبح الكرملين يصفها بأنها غير ودية.
ويتطرق التقرير إلى انكشاف هذا الأمر أخيرا، بعدما نشرت وسائل إعلام أوكرانية تسجيلا لمحادثة بين فرهاد أحمدوف، ابن الطائفة الأوليغاركية الروسية في أذربيجان، ويوسف بريغوزين، المنتج الموسيقي الذي يحظى باتصالات وثيقة مع الكرملين، والمتزوج من مغنية شهيرة شاركت في حفل مؤيد للحرب في أوكرانيا العام الماضي، وغنت في وجود بوتين.
ويضيف أن التسجيل تضمّن شكوى من تزايد العزلة الروسية عن العالم، وضغوط المؤسسات الأمنية. ورغم تأكيد التقرير أن أحمدوف لم يمكن الوصول إليه للتأكد من صحة التسجيل، فإن أحد المقربين منه قال إنه صحيح، بينما بريغوزين -غير ذي الصلة بقائد مجموعة فاغنر- أكد أن التسجيل “مجتزأ من السياق”، وتعهد بمقاضاة المسؤولين عن نشره.
ويُختم التقرير بنقل جزء من التسجيل عن أحمدوف وهو يقول “لقد أفسدوا الأمر بالنسبة لنا ولأولادنا ولمستقبلهم ومصيرهم. هل تفهم؟”، مضيفا “تبا لهم، نحن جميعا نفهم ما يحدث هناك. اذهب إلى المالديف أو دبي، لا أعرف، اذهب إلى أي مكان تريد لكن ابق بعيدا عن موسكو”.
