
يؤثث المسرح الجهوي سيدي بلعباس لورشات تكوينية في فن صناعة الماريونيت من تأطير الفنان ” لصفر بخالد” ، حيث أن هذه الورشات تأتي امتدادا لسلسة من المبادرات الفنية والإبداعية التي من خلالها يثبت مسرح سيدي بلعباس أن الفن ليس ترفًا ، بل حقا إنسانيا وبخاصة أولئك الذين لا تصلهم الأضواء.
الورشات التكوينية تمضي في طريقها بخطى ثابتة، يومي 11 و12 جوان 2025 ، لتكون هذه الورشات تأكيدا على أنه لا يجب النظر إلى فن الماريونيت كوسيلة ترفيهية تقليدية، لكنها في الحقيقة فن قديم ورفيع، تختلط فيه الحِرفة بالحلم، والخيط بالمعنى.
هو فن يجمع بين التصميم والخياطة والتمثيل والحكي، لكنه قبل كل ذلك فن الإنصات الطفولي للعالم، وفن الإصغاء الطفولي للذات ، أن تصنع دمية بيدك، أن تُحركها أمام الآخرين، أن تعطيها صوتًا، هو فعل تحرريّ يطلق العنان لمخيلة الطفل، ويمنحه فرصة نادرة للتعبير عن ذاته دونما خوف.
في عالم يميل إلى التلقين، تمنح دمى الماريونيت الأطفال فرصة للحكي بدل الحفظ، وللابداع بدل التكرار ، إذ ومن خلال كذا ورشات تكوينية يكون الطفل أمام باكورة التفكير والإبداع من خلال اللون ، والقماش ومواد أولية للتصميم .
الطفل في المناطق النائية: ليس خارج المشهد
الحديث عن الأطفال في المناطق النائية هو في جوهره حديث عن العدالة الثقافية ، أن نمنح الأطفال في هذه الجهات فنون المسرح والدمى ليس مجاملة ولا شفقة، بل حق أصيل ، فكم من موهبة دفنتها الجغرافيا؟ وكم من خيال قمعه البُعد عن مراكز الضوء؟
ورشة فن الماريونيت هنا ليست مجرد نشاط صيفي، بل نافذة رمزية تقول لهؤلاء الأطفال: أنتم في المشهد، أنتم في القلب ، ستكون الورشات منصة للتأكيد أن الطفل، أيًا كان مكانه أو وضعه، هو مشروع مبدع لا يُختزل في ظروفه، بل في قدرته على تجاوزها.
الدمية كمرآة: حيث يُعاد تشكيل العالم
الدمى التي سيصنعها الأطفال هناك لن تكون مجرد أشكال لطيفة بخيوط وأقمشة، بل ستصير امتدادًا لذواتهم ، كل دمية ستروي قصة، كل قصة ستكون صدى لتجربة شخصية، وكل تجربة ستُصبح بذرة لمسرح صغير ينبت في هامش الخريطة ، لكنه لن يكون هامشيًا بعد الآن.
عندما يحرك الطفل دميته أمام الآخرين، فإنه لا يحركها فقط، بل يُحرك ما هو أعمق: رغبة داخلية في أن يُسمع، أن يُرى، أن يُفهم. و هذا هو جوهر المسرح، وجوهر الفن عمومًا أن يمنح الإنسان مساحة للوجود بكامل طاقته الإنسانية.
الفن لأجل الحياة… وليس التسلية فقط
المبادرة التي يقودها المسرح الجهوي سيدي بلعباس هي أكثر من مجرد تنشيط ثقافي ، إنها عمل تربوي، نفسي، اجتماعي، وإنساني في آن واحد ، في زمن تتسارع فيه الماديات، ويُهمل فيه البناء النفسي للطفل، يأتي الفن – والماريونيت تحديدًا – ليعيد ترتيب الأولويات الطفل أولاً، الخيال أولاً، الإنسانية أولاً.
أن تعمل على رص منصة لصناعة الدمى ، وأن تكون أقرب إلى قلب طفلٍ في منطقة نائية، هو أن تضع حجر الأساس لفنان، لكاتب، لمبدع، أو حتى لمواطن يرى نفسه جزءً جوهريا من هذا العالم وله صوت فيه.
دعوة إلى الحلم
حينما تُنسج الأحلام بالخيوط وتُلون بالأصابع الصغيرة، يتغير شيء في العالم ، شيء خفيف ، لكنه أصيل وأصليّ ، فإلى كل من يؤمن أن الإبداع لا جغرافيا له، وأن الطفولة هي الثروة الحقيقية، نقول: انضموا إلينا جميعا حتى نُعيد رسم الأمل، خيطًا بخيط، وابتسامة بابتسامة ، كونوا أنتم جزءً من رسالة تقول لكل طفل:
” لك الحق أن تصنع دميتك، أن تروي حكايتك، وأن تجد من يُصغي إليك”.
