📢 أخبار عاجلة
جاري تحميل الأخبار...
📢 أخبار عاجلة
جاري تحميل الأخبار...

من جامعة باريس إلى سوكياس

وثائق وشهادات عن المسيرة الدراسية والثورية للشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس

 

في زمن تتراكم فيه الأساطير وتضيع الحقائق بين الظلال، ينهض التاريخ الحقيقي من بين ركام النسيان، مشعًّا من قلب الوثيقة الأصلية ، هكذا يفعل الباحثان الجزائريان  الأستاذ الدكتور علاوة عمارة والدكتور الباحث رياض شروانة في عملهما التوثيقي  الصادر حديثًا عن وزارة المجاهدين، تحت عنوان:

“من جامعة باريس إلى سوكياس: وثائق وشهادات عن المسيرة الدراسية والثورية للشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس”.

 

هذا العمل التوثيقي الرصين ، جاء لنفض الغبار عن شخصية جزائرية مغمورة ظلت لسنوات   حبيسةالأرشيف الفرنسي وطيّ النسيان التاريخي  ،    إنه أكثر منكتاب، إنه   عودة نادرة   ومؤثرة إلى سيرة طبيب ومجاهد جزائري، لطالما اختلط اسمه في الأذهان بإبن عمه العلامة عبد الحميد   بن باديس، لكنه كان هو الآخر رائدًا على طريق النضال،ورمزا حيًّا من التضحيات  والمواقف.

شهادة ميلاد في قسنطينة… ونقطة عبور نحو الخلود

 

وُلد الشهيد الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس يوم 27 جانفي 1923 في مدينة قسنطينة، حيث نما في بيئة علمية ووطنية، قبل أن تشدّه شغف المعرفة إلى عوالم الطب ،  حصل على البكالوريا سنة 1941، وانطلق في رحلة علمية حافلة انتهت بشهادة الدكتوراه في طب العيون من جامعة باريس سنة  1954  بعد دفاعه عن أطروحته القيمة  : “مساهمة في دراسة ناسور  القرنية”  لكن القدر كان يخط له طريقًا آخر طريق الثورة.

من  قاعات الدرس إلى ساحات الكفاح

الوثائق التي يكشفها العمل لأول مرة، تضعنا وجهاً لوجه مع فصول غير معروفة من حياة الشهيد. حيث تحول من طالب لامع إلى معتقل سياسي، بعد أن رصدت السلطات الاستعمارية تواصله مع القيادي الثوري عبان رمضان، ووصفت تقاريره الاستخباراتية بـ”الخطير والمعادي بشدة لفرنسا”.

رغم الاعتقال والاستجوابات القاسية، ظل بن باديس وفيًّا لمبادئه، لينجح في فرار بطولي من المعتقل يوم 11 أكتوبر 1958 ويتحوّل إلى طبيب الثورة، يضمد جراح المجاهدين في ظروف قاسية، دون كلل أو وهن  ، هو الطبيب المثقف والمجاهد الصلب ،  حيث لم يكن الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس مجرد طبيب عيون جزائري درس في جامعة باريس الخامسة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل كان مناضلًا وطنيًا انخرط في صفوف الثورة  التحريرية بكل ما أوتي من علم وإيمان.

أكثر من 130 وثيقة… تعيد كتابة التاريخ

في عمل من 192 صفحة، يقودنا الباحثان عمارة وشروانة في أربع محطات وثائقية مدهشة، تضم أكثر من 130 وثيقة أصلية، بين ملفات جامعية ومحاضر استخباراتية ومراسلات رسمية وشهادات حية، كُشف عنها لأول مرة، مما يجعل من الكتاب مرجعًا وطنيًا لا غنى عنه لإعادة الاعتبار لسيرة هذا المناضل المغمور، وإخراجها من ظلال التكرار إلى ضوء الحقيقة.

رحلة بين الأرشيف والشهادة

يبرز الملف الدراسي المحفوظ في أرشيف جامعة باريس، المسار العلمي للدكتور بن باديس، بينما تكشف الملفات الأمنية الفرنسية عن مدى تتبع السلطات الاستعمارية لتحركاته، خاصة بعد عودته إلى الجزائر. ويتناول الكتاب أيضًا كيفية اعتقاله ثم التحاقه بالثوار، ليصبح أحد الوجوه الفاعلة في الولاية الأولى التاريخية – الأوراس.

الباحث رياض شروانة، الذي درس الأرشيف الفرنسي لأكثر من خمس سنوات، أكد في أحد تصريحاته أن “الشهيد لخضر بن باديس لم يكن مجرد فرد، بل يمثل نموذجًا للمثقف الملتزم الذي رفض الخنوع، وفضّل طريق التضحية على الامتيازات التي كان بإمكانه أن ينالها كطبيب خرّيج السوربون”.

مساهمة نادرة في الذاكرة الوطنية

يتوقف الكتاب مطولًا عند التمييز  بين الدكتور لخضر عبد السلام بن باديس وابن عمه العلامة عبد الحميد بن باديس، في محاولة لتصحيح كثير من الالتباسات. ، كما يشكّل  هذا العمل مساهمة فريدة في تاريخ الثورة التحريرية، كونه يوثق لأول مرة بالوثيقة الرسمية والسرد الميداني، مسيرة مناضل جمع بين القلم والسلاح.

عبق الأوراس… وصمت الشهادة

استشهد الدكتور بن باديس يوم 13 جوان 1960 على تخوم الحدود الجزائرية التونسية، أثناء محاولته عبور “الخط المكهرب” في مهمة ثورية بالغة الخطورة. لكنه وإن ترجل جسدًا، بقي أثره يضيء سجلات المجد الجزائري بصمت الكبار.

نداء للباحثين

الكتاب لا يخاطب فقط الجمهور العام المهتم بالذاكرة الوطنية، بل يُعدّ مرجعًا مهمًا للباحثين في التاريخ الحديث والعلوم السياسية ودراسات ما بعد الاستعمار. ويأتي في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى قراءة الثورة من زوايا إنسانية ومعرفية جديدة، بعيدًا عن التكرار الرسمي والتناول السردي السطحي.

حين يتكلم التاريخ بلغته الأصلية

هذا العمل الوثائقي ليس مجرد سرد لسيرة فرد، بل هو استعادة لذاكرة وطنية، وتكريم لنموذج جزائري جمع بين التميز الأكاديمي والبطولة الثورية، بين مشرط الطبيب وسلاح المقاوم.

إنه درس بليغ للأجيال القادمة: أن الثورة ليست فقط بندقية، بل علمٌ، وإصرار، وإيمان بعدالة الوطن ،

بطل نفض عن تاريخه الغبار  ابطال من جيل الاستقلال ، ليمنح مكانه  المستحق في ذاكرة الأمة ، وتحية للوثيقة حين تصبح لسان الحقيقة ، فمن جامعة باريس  إلى جبال الأوراس، ومن سطور العلم إلى دماء الشهادة، سلك الدكتور لخضر عبد السلام   بن باديس طريقًا استثنائيًا في تاريخ الجزائر المعاصر.

وبهذا الكتاب، يعيد الباحثان عمارة  وشروانة الاعتبار لرجلٍ جسّد بمسيرته معاني النبل الوطني في أرقى صوره.

بقلم : عباسية مدوني -سيدي بلعباس

 

Share.

Leave A Reply