الكسكس، هذا الطبق العتيق الذي نبت في تربة الأجداد، لم يكن مجرد وصفة عابرة في كتاب الشاف ياسمينة، بل كان سردًا حيًا لذاكرة شعب، ونبض أمة تحفظ إرثها في القدر، وتبوح بحكاياتها على البخار المتصاعد من حبات القمح.
أكثر من طعام.. إنه إرث وطن
لم يكن فوز الشاف ياسمينة سلام تكريمًا لفرد بقدر ما كان انتصارًا لثقافة، وصوتًا صادحًا لموروث جزائري ضارب في الأصالة ، فقد حملت الشاف كتابها بكل حب وصدق، وغلفته برائحة الأعشاب الجبلية وزيت الزيتون وعطر المواقد الطينية، لتُعرّف العالم بذاكرة الجزائريين التي تختبئ في ملعقة كسكس.
إن هذا الفوز في البرتغال ليس سوى تأكيد جديد على أن الثقافة الغذائية هي أحد أعمدة الديبلوماسية الناعمة التي تُسافر دون جواز، وتُقنع دون صخب، وتغرس حب الجزائر في القلوب من خلال نكهاتها وألوانها.
المرأة الجزائرية.. حارسة النار والهوية
تُجسّد الشاف ياسمينة أيضًا وجهًا مشرقًا للمرأة الجزائرية التي لم تنقطع يومًا عن مواقدها، بل جعلت منها معابد للحب والصبر والإبداع ، وكما تحفظ الجدّات وصفاتهن في الذاكرة، تحفظ الشاف ياسمينة أسرارهن في كتب تطوف العالم، لتكون سفيرة للمذاق والروح الجزائرية.
بهذا الإنجاز، ترفع الشاف ياسمينة راية الجزائر عاليًا، وتُثبت أن ما نملكه من تراث غذائي هو كنز يجب صونه وتوثيقه وتقديمه للعالم ، فمن الكسكس إلى قلب القارئ البرتغالي، ومن مطبخ جزائري بسيط إلى منصات التتويج، تصنع ياسمينة مجدًا من البساطة، وتنسج هوية من الطحين والماء والحب تنضح.
بقلم : عباسية مدوني -سيدي بلعباس